كلمة السيّد الأمين العام، الوناس مقرمان، خلال نقاش رفيع المستوى حول إصلاح مجلس الأمن
السيد الرئيس،
فخامة السيد جوليوس مادا بيو، رئيس جمهورية سيراليون الشقيقة
- يشرفني أيما شرف أن أنقل إلى جمعكم الموقر وإلى رئيس جمهورية سيراليون الشقيقة، السيد جوليوس مادا بيو Julius MAADA BIO بالتحديد، تحيات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وتمنياته الخالصة بنجاح نقاشنا اليوم، وكله ثقة بأن هذا الاجتماع المفتوح الذي يعقد بمبادرة من جمهورية سيراليون، منسق لجنة العشرة المعنية بإصلاح مجلس الأمن، سيسهم في تنوير أعضاء المجلس حول مرتكزات وأهداف الموقف الإفريقي المشترك حول هذا الملف.
- كما لا يفوتني أن أشكر كل من السيد الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، ورئيس الدورة الـ 78 للجمعية العامة، السيد دينيس فرنسيس، على إحاطتهما القيمة، التي حددت السياق العام و مستجدات مسار إصلاح مجلس الأمن والتحديات التي تواجهه.
- كما أنصتنا بعناية لمداخلة ممثلة المجتمع المدني.
- و لا يفوتني أيضا في هذا المقام أن ارحب بالمشاركة الرفيعة المستوى لكل من معالي السيد بيا موشيلينجا، وزير العلاقات الدولية والتعاون الدولي لناميبيا الشقيقة و معالي الجنرال جيجي أودونغو أبو بخار، وزير الخارجية أوغندا الشقيقة.
السيد الرئيس،
- إن اجتماعنا اليوم يعقد في سياق دولي وإقليمي مثقل بالتحديات والمخاطر التي تهدد السلام والأمن الدوليين. سياق سمته البارزة تجدد حالة الاستقطاب بين القوى العالمية، وتآكل هيبة القانون الدولي وعودة أسلوب الانتقائية في تحديد الأولويات الأممية، والازدواجية في المعايير، وتصاعد خيار اللجوء لاستعمال القوة كوسيلة لحل الخلافات.
- يحدث هذا في ظل الأزمة الحادة التي ألمَّت بمنظومة الأمن الجماعي ووسط الشلل شبه التام الذي يطال مجلس الأمن الأممي وإخفاقاته المتكررة في وضع حد، أو حتى كبح، سياسات الأمر الواقع والإجراءات الأحادية الجانب، وتغليب مصلحة القوي على الضعيف وتوفير الحماية والغطاء السياسي لتصرفات الظالم المشينة على حساب حقوق المظلوم المشروعة.
- وأمام هذا الوضع المتأزم، تقف المجموعة الدولية موقف المتفرج أمام تتابع الأزمات وتفاقمها بشكل غير مسبوق، مما يعرقل فرص التعامل الفعّال معها، ويهدد إمكانيات إيجاد حلول تتناسب مع متطلبات تحقيق الأمن والاستقرار العالميين.
- ولقد عانت قارتنا الإفريقية بشكل كبير من هذا الواقع المؤلم والمتأزم الذي يفرض نفسه بقوة خصوصاً في منطقة الساحل الصحراوي، حيث أخذت التحديات الأمنية والتنموية والإنسانية أبعاداً خطيرة ومقلقة للغاية. يأتي ذلك في ظل تصاعد التدخلات الخارجية وتعارض مصالحها، وتفاقم ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى انتشار بؤر التوتر وتجدد ظاهرة التغييرات غير الدستورية في الحكومات، مما أعاد إلى الأذهان فترة تاريخية كنا نظن أنها قد ولّت بلا عودة. هذه التطورات تدفعنا إلى مواصلة العمل وتنسيق جهودنا لدفع الدول الإفريقية التي تعيش اضطرابات مرحلية، إلى العودة إلى المسار السياسي السليم وإلى تغليب لغة الحوار والحلول التوافقية التي لا تقصي أحدا، لتحقيق الأمن و الاستقرار الذين تتطلع شعوب المنطقة إلى تجسيدهما.
- وفي السياق نفسه، يجدر التذكير بالمعاناة المستمرة التي يعيشها شعب إقليم الصحراء الغربية، المستعمَر منذ أكثر من خمسين عامًا، والذي ينتظر بصبر اعتراف المجتمع الدولي بحقه الثابت وغير القابل للتصرف في تقرير مصيره وإنهاء استغلال موارده الطبيعية بشكل غير قانوني، ووقف ممارسات الاحتلال التي تنتهك حقوقه المشروعة. كما يتطلع هذا الشعب المكافح إلى تفعيل قرارات مجلس الأمن بشأن هذه القضية المطروحة على أجندته وإلى اتخاذه خطوات ملموسة وهادفة لدفع عملية التسوية في إطار العقيدة الراسخة للأمم المتحدة في مجال تصفية الاستعمار ووفقًا للمعايير المتفق عليها التي حددها مجلس الأمن الأممي.
- وليس ببعيدٍ عنَّا كذلك ما يعيشه أشقاؤنا في فلسطين من مأساة حقيقية تتفاقم يوماً بعد يوم وحرب الإبادة التي تشنها سلطة الاحتلال على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 10 أشهر على التوالي بسبب عجز مجلس الأمن عن ردع المحتل الإسرائيلي عن جرائمه وكَفِّ انتهاكاته لقواعد القانون الدولي التي بات الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي لا يعبأ بها، ولا يحسب أدنى حساب لما تقره، ويضرب عرض الحائط بكل ما تفرضه من التزامات.
السيد الرئيس،
- إن جل هذه التطورات التي تفرض واقعاً جديداً يجب علينا التعامل معه بروح المسؤولية والحزم والصرامة انطلاقاً من منظومة القيم والمبادئ والمثل التي نسترشد بها، قد أعادت إلى واجهة النقاش الدولي موضوعَ إصلاح مجلس الأمن، وتفرض على المجموعة الدولية ضرورة إحاطة هذا الملف بالعناية اللازمة، وهو الأمر الذي يزيد من قناعتنا بحاجة المجلس اليوم للصوت الإفريقي، صوت الحكمة، وصوت الالتزام، وصوت المسؤولية.
- من هذا المنطلق، يرتكز الموقف الإفريقي في مفاوضات إصلاح مجلس الأمن على المبادئ التي تم تحديدها في "توافق إزولويني" و"إعلان سرت"، حيث يُعتبران الإطار المرجعي الأساسي والوحيد. وقد تم تعزيز هذا الطرح من خلال التوافقات التي أُدرجت في البيان الختامي للقمة الخامسة للجنة العشر التي انعقدت في أويالا (Oyala) في غينيا الاستوائية في نوفمبر 2023، فضلاً عن نتائج الاجتماع الحادي عشر لوزراء خارجية اللجنة ذاتها، الذي استضافته الجزائر في شهر جوان الماضي، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية.
أن المطلوب أولاً، هو تصحيح الظلم التاريخي الذي تعاني منه القارة الإفريقية، باعتبارها الغائب الوحيد في فئة الأعضاء الدائمين والأقل تمثيلاً في فئة الأعضاء غير الدائمين. لذلك، تطالب إفريقيا بحقها في الحصول على مقعدين دائمين بالإضافة إلى مقعدين غير دائمين في مجلس الأمن، مع جميع الامتيازات المرتبطة بهذه المقاعد؛
أن المطلوب ثانياً، هو عملية إصلاح تعيد للمجلس فعاليته وقدرته على التحرك في وجه التهديدات المتنامية للسلام والأمن الدوليين، وبالتالي ضرورة بلورة تصور يمكن هذه الهيئة الأممية من النأي بنفسها عن التجاذب والاستقطاب، والتركيز أكثر على دورها ومسؤولياتها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة؛
أن المطلوب ثالثاً، هو إصلاح لا يقتصر على تحقيق مجلس يكون أكثر تمثيلاً للدول النامية، وعلى رأسها إفريقيا، بل يتعدى ذلك ليشمل جميع المسائل المتعلقة بأساليب عمل المجلس واستعمال حق النقض (الفيتو) والتفاعل بين المجلس والهيئات الأممية. فمجرد توسيع العضوية لا يضمن الفعالية المطلوبة ما لم يتم تحسين القواعد التي تحكم عمل المجلس. فالتمثيل دون الفعالية لا يكفي، والفعالية والنجاعة المطلوبة دون التمثيل المناسب لا تحقق الهدف؛
أن المطلوب رابعاً وأخيراً، هو أن يظهر الأعضاء الدائمين في المجلس دعماً صريحاً والتزاماً واضحاً بمسار الإصلاح من خلال الاستجابة الفعلية لتطلعات إفريقيا المشروعة. كما ينتظر منهم المشاركة البناءة في المفاوضات الحكومية الدولية والعمل بجد للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن إصلاح المجلس، مع ضرورة الالتزام بالجمعية العامة للأمم المتحدة والمفاوضات الحكومية كإطار جامع لمعالجة ملف إصلاح مجلس الأمن، ورفض أي محاولة لتقويض مصداقية هذا الإطار لصالح مبادرات أو خطط موازية.
السيد الرئيس،
- تلكم هي الأفكار التي وددت باسم بلادي تقاسمها معكم اليوم، مؤكداً في ذات السياق تمسك الجزائر الدائم والتزامها الثابت بالموقف الإفريقي المشترك تحت قيادة منسق مجموعة العشرة، رئيس جمهورية سيراليون فخامة الدكتور جوليوس مادا بيو Julius MAADA BIO.
- وفي إطار هذه المقاربة، ومن موقعها كعضو غير دائم في مجلس الأمن، تؤكد الجزائر التزامها بأن تكون صوتاً صادقاً في خدمة مصالح إفريقيا وتطلعاتها، وأنها ستظل وفية بالتزاماتها وحريصة على الدفع في اتجاه تصحيح الظلم التاريخي الذي تعرضت له قارتنا فيما يتعلق بمسألة التمثيل الإقليمي غير العادل في مجلس الأمن.
- وبنفس الروح والعزيمة، ستواصل الجزائر بذل أقصى جهدها للحفاظ على مصداقية هذه الهيئة الأممية وضمان فعاليتها وقدرتها على الاستجابة السريعة لمواجهة التهديدات المتزايدة للسلم والأمن الدوليين.
شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته